عصر الدولة الحديثة
نبذة تاريخية عن الموسيقى في عصر الدولة الحديثة

جدارية بتل العمارنة تمثل الرقص الايقاعي البطىء
انتشرت فى عصر الدولة الحديثة الثقافات الدينية والعقائدية التى تؤمن بالحياة الأبدية بعد الموت ، وما تبع ذلك من عقيدة حساب المتوفى ، ومدى التزامه بفعل الخير ، وإتباعه السلوك الأخلاقى الراقى أثناء حياته.بجانب الثقافة الأخلاقية والعقائدية انتشرت أيضاً الثقافات الفنية المصرية؛ مثل الأدب الشعبى، والمسرح، والموسيقى، والغناء، والرقص ، بجانب فنون العمارة، والنحت، والرسم التى تألقت تألقاً كبيراً ، تمثلت فى بناء المعابد، والمقابر، والمسلاّت شاهقة الارتفاع، والتماثيل العملاقة التى أذهلت العالم، لتصبح علامات بارزة فى تاريخ الحضارة المصرية، شاهدة على عظمة الإنسان المصرى وعبقريته.
كثرت فى عصر الدولة الاحتفالات بالأعياد القومية والدينية ، حتى وصل عددها إلى أكثر من المائتين ، شملت أعياد النصر بالفتوحات المتعددة ، التى حققها قواد وملوك الدولة المصرية فى الجنوب والشمال. كان لمصر علاقات دبلوماسية طيبة مع دول حوض البحر الأبيض المتوسط ودول جنوب أوروبا، وكان الملوك يتبادلون الهدايا والجوارى والعبيد ، وقد وُجدَ كثيرٌ من الرسائل التى أرسلها ملوك ورؤساء تلك الدول الدالة على وجود جو السلام والود بين مصر وتلك الدول .

جدارية من مقابر بني حسن بالمنيا تمثل عازف هارب و مجموعة منشدين
أهم مظاهر الحياة الموسيقية والثقافية فى عصر الدولة الحديثة

الاحتفالات داخل القصور
كثرت المعابد واتسعت مساحتها، وزادت أعمدتها، وتنوّعت حجراتها وطرقاتها، كما تعددت وتنوّعت أساليب المعيشة بداخلها، حتى أصبحت المعابد مدناً كاملةً، ومراكز للعلوم والثقافة، ومدارس للتعليم، وبناء الكوادر المهنية والحرفية، كثرت الاحتفالات القومية والشعبية داخل المعابد ، وخارجها على مدار السنة، كما كثرت احتفالات الموائد داخل قصور الملوك ، وقد شاركت الموسيقى والغناء والرقص فى تلك الاحتفالات الدينية منها والدنيوية. تعددت أساليب الحياة الموسيقية وتنوّعت داخل قصور الملوك، وفى البلاط الملكى، ونمت نمواً هائلاً ، تمثلت فى زيادة عدد من النساء والرجال ، كما تعددت الوظائف الموسيقية والإدارية المشرفة نتيجة للفتوحات والاتصالات التجارية والدبلوماسية بين الحكام الفراعنة ، ملوك ورؤساء المدنيات الأجنبية الآسيوية والآشورية والبابلية، وتبادل الهدايا بينهم من الأسرى والجوارى ساعد على تواجد العنصر الآسيوى من الجنسين فى مجال الموسيقى والغناء، حتى أصبح فى بلاط الفرعون الملك فرقتان موسيقيتان، إحداهما مصرية ، والأخرى آشورية. وتوضح النقوش والرسوم، الفروق الجوهرية بين ملامح الجنس الآسيوى من النساء والرجال، ومدى تباينهم واختلافهم فى الشكل الخارجى والمظهر العام عن خصائص المصريين؛ حيث كانوا قصار القامة ولهم شعور طويلة سوداء اللون ، وذوو لحية كثيفة، ويلبسون الجلباب القصير، كما أظهرت النقوش الاختلاف فى شكل الآلات وطريقة العزف عليها.

فرقة موسيقية كاملة

عازفات في عصر الدولة الحديثة
تطورت صناعة الآلات الموسيقية عامة والوترية بشكل خاص حيث شملت الخامات، وجودة الصناعة ، والشكل الخارجى، وعدد الأوتار، وما تبعه من زيادة للمساحة الصوتية ، واتساع الحركة اللحنية بين الحدة والغلظ - ظهرت آلات العود البيضاوية الشكل ذو الرقبة الطويلة والقصيرة ؛ وهو ما عُرف باسم عود الرقص ، كما ظهر العود الكمثرى الشكل ذو الرقبة الطويلة فى عصر الأسرة الخامسة والعشرين وما بعدها ؛ وهو أشبه بالطنبور أو البزق التركى ، أما العود القبطى ( المصرى ) فقد ظهر فى نهاية حكم الفراعنة لمصر فى أوائل القرن الأول الميلادى وما بعدها. تطورت آلات الصنج أو الجنك ( الهارب ) تطوراً كبيراً فى الشكل الخارجى وعدد الأوتار ، الذى وصل إلى 22 وتراً فى عصر الرعامسة الأسرة العشرين ، كما وصل ارتفاع بعض تلك الآلات إلى أكثر من مترين.
وقد أثرى ذلك الحياة الموسيقية فى عصر الدولة الحديثة، فجعل من الموسيقى المصرية موسيقى غنية متفوقة عن كل موسيقات الممالك التى عاصرتها ، مما دعى أفلاطون أن ذكر فى كتابه " الجمهورية " يوصى شعبه بالاستماع والاستمتاع بالموسيقى المصرية ، ذات القواعد والقوانين العلمية، كما اعتبرها أرقى موسيقات العالم وأعظم نموذجاً يمكن أن تحتذى به، أى موسيقى تنشد التعبير عن الجمال والحلاوة ، كما أنها أيضاً خير وسيلة لتهذيب العقول وترويح النفوس .

الهارب
Bookmarks